تراجع العملية التعليمية في عصر المعلوماتية
جريدة الوطن عدد 3092 في 21/3/1430هـ
إن المتابع للعملية التعليمية في المملكة العربية السعودية، لابد أن يلحظ أن الجانب التربوي فيها، في تراجع كبير. سواء بفعل المعلوماتية وما جلبته من مهارات التعلم الذاتي والتلقي الآلي للكثير من المعارف العامة أو بسبب تراجع الجانب التربوي في المنهج العام أو في المنهج الخفي أو بسبب الانتشار الثقافي والسلوكي المتدفق عبر وسائل الإعلام المختلفة. بل حتى عبر التنوع السكاني والعمالة الوافدة.
ووزارة التربية والتعليم وقد صدرت اسمها باسم التربية مقدما على التعليم فإن هذا قول ولكل قول حقيقة. فما حقيقة هذا القول؟ أو ما هي الجوانب التربوية التي جعلت الوزارة تحمل أو تُحمل نفسها هذه التسمية؟
في تقديري أن الوزارة يفترض أن تنهض بما يعطيها الحق في حمل هذا الشرف. شرف التربية سواء بمعالجة ما اعترى الجانب التربوي من ضعف أو بتفعيله وتطويره والخروج بإجراءات جديدة تعزز الجانب التربوي في العملية التعليمية وتبرر حمل هذا اللقب. ثم بالتالي يعالج أو يقضي على هذا الضجر الذي أصاب المهتمين بالتربية بسبب التراجع المريع للجانب التربوي في العملية التعليمية.
كل هذا القدر من التراجع التربوي بفعل زحف المعلوماتية الآلية (معلومآلية)، ومازال هذا الزحف في بواكيره. وقبل أن يطغى وتعم به البلوى ويحرق الأخضر واليابس، فإن الأمر يقتضي تعزيز القدرات التربوية المعينة على تمييز الغث من السمين من هذا السيل الجارف، خاصة بعد أن صار تجاهل هذا المد ضرباً من الخيال أو نوعاً من العجز أو استسلاماً للأمر الواقع وانقياداً للسيل الجارف يُلقي المتلقي على جنبات الخطر وصخور الهلاك.
طالما أننا لا نستطيع إيقاف سيل المعلوماتية الزاحف، وطالما أن هذا السيل قادم من ثقافات لها أجنداتها واهتماماتها الفكرية والسياسية والحضارية بل إن لبعضها نوايا سيئة تجاهنا وتجاه فكرنا ومعتقدنا وديننا ووطنا بل وولاة أمرنا. لهذا فإن تحصين الشباب لا يتم إلا من خلال تعزيز الجوانب التربوية للناشئة كي يكونوا مسلحين بقدر كاف من القدرات المعينة على تمييز الغث من السمين. ولكي نجعله في مفازة يرقب السيل فيأخذ منه ما يناسبه ويتجنب – بحسه التربوي – ما يضره فلا يلوثه هذا السيل.
أخيراً فإن مما يمكن تدوينه من الظروف التي أحاطت بالعملية التعليمية والتربوية ذلك التنافر المريع بين البرامج الإعلامية المقدمة في وسائل الإعلام وبين ما تجتهد العملية التعليمية في غرسه من الأسس التربوية في الطلاب.
فالملاحظ المفزع في هذا التعارض ذلك الاختلاف الكبير بين البرامج الإعلامية والبرامج التعليمية من حيث الوسائل وفاعليتها وبريقها وقدرتها على الاستهواء ومن حيث طول فترة التعرض لها، بل من حيث ظروف التلقي ومناخه العام.
لا يقل خطورة عن ذلك كله محتوى الوسائل الإعلامية الذي يعارض في الكثير منه أبسط الأهداف التربوية حتى إنه يمكن القول بأسف بالغ وأسى كبير أن ما تغرسه أو تحاول أن تغرسه العملية التعليمية في ساعات الدوام المدرسي تجتثه وسائل الإعلام بلقطة براقة خلال دقائق أو ثوان. فإذا امتد هذا التأثير الإعلامي لساعات فلن تجد للبعد التربوي أثراً. بمعنى أن التلقي التربوي من وسائل الإعلام يعد أكثر بريقاً وأبلغ أثراً وأمضى وسيلة. بل ومتاح له من الوقت أكثر وأفضل مما هو متاح للعملية التعليمية.
والحال ما ذكر فلن يستقيم البناء إذا كنت تبني وغيرك يهدم.
لهذا فلابد من برامج بحثية تحدد هذا البعد التربوي السلبي ثم تحدد وسائل العلاج، سواء بالتنسيق والمهادنة مع الوسائل الإعلامية. خاصة الداخلية منها. أو ببرامج تربوية وقائية تبني في الناشئة قدرات تربوية معينة على التعامل مع ما تتلقاه من وسائل الإعلام بروح ناقدة قادرة على تمييز الغث من السمين والمفيد من الضار وذلك بقدرات ذاتية ورقابة داخلية تعتمد على قناعة تربوية مغروسة داخل الذات.
مثل ذلك أيضاً ما يتفشى في المجتمع من مظاهر الرفاهية وتداعياتها السلبية على المناخ التربوي.
هذه الظروف مما ينبغي دراسته وتحديد أثره على العملية التعليمية حتى لا نجلد ذاتنا لذنب اقترفه الآخرون. وحتى لا تأخذ حلولنا وإجراءاتنا طريقاً خاطئاً فنخسر المعركة والوقت والجهد والمقدرات المالية.
الدكتور عبدالعزيز مبارك الدجين - وزارة التربية والتعليم – تعليم البنات