تعليمنا الخليجي وفيروس الحمل الكاذب
7 ديسمبر، 2011، الساعة 09:12 ص
من منطلق حرص ولاة الأمور في دول الخليج أن جعلوا محور التربية والتعليم نصب أعينهم وسعوا لتذليل الصعاب لها بكل ما أوتوا من قوة، منطلقهم في ذالك إحساس عميق وعن كثب لأهمية مخرجاتها التي تمس اللبنة الأساسية للأوطان التي لا يضاهيها لبنة. وإدراك لحقيقة حاجة التعليم العام للتطوير ومواكبة لمتطلبات التنمية المعاصرة والتطور المستمر بالسرعة المذهلة التي يشهدها عالمنا اليوم "العالم الرقمي".
فقد رصدت لهذه الصروح ولبرامجها ومشاريعها المليارات وهذا بالتأكيد إدراك للأهمية وانطلاقاً للمعالجة التطويرية الجذرية من جوانبها المتعددة من معلمات ومعلمين – مناهج – بيئة – ونشاط. ولعل جانب المعلمة و المعلم هم اشد حاجة وإلحاح للتطوير، بل للقفزات المتلاحقة المدروسة للخرج من لغات الفصول المشتتة والمنهجيات المبعثرة والمزاجيات المتخبطة إلى لغة الأهداف والسمو، للسير على أرض صحيحة صلبة.
هذه الأمنيات والطموحات المناطة بتلك الصروح والمشاريع التعليمية بأمس الحاجة إلى تكاتف الأيادي المخلصة الطامحة القادرة الأمينة. لبناء أمة وأجيال واعية، وزرع بذرات إنسانية تُحصد ثمارها المستقبلية لعزة هذا الدين ولرفعة هذا الخليج وليسمو بخيرها أبناء الخليج بإذن الله تعالى... فهل لهذه الصروح والمشاريع بتلك الأيادي المخلصة الطامحة القادرة الأمينة ؟
إن شيئا مما أصبو إليه من هذه الموضوع تسليط النور على ركن من أركان هذه الصروح والمشاريع الإستراتيجية العملاقة. هذا الركن هو عجلتها وهو من سيمنحها النجاح بإذن الله تعالى. وإهماله لا قدر الله سوف يؤثر سلباً على نجاحها، فالركن أو الركيزة الأول التي أنا بصدد الحديث عنها هي فئة (المعلمات و المعلمين) المستهدفة أولاً في العملية التطويرية.
ومن المؤكد بأن أخشى ما يخشاه المتخصصين وأصحاب الخبرة والدراية، أن يسند شي من إدارة أو قيادة تلك الصروح والمشاريع لبعض من الفئة المستهدفة ذاتها. التي خرجت من الميدان التربوي لسبب أو لأخر مما يتطلب تجريدها من صفتها التربوية وإبعادها عن الميدان وتحويلها للأعمال الإدارية، ومع مرور الأيام يسند لها مهام إدارية أو قيادية وفق مخالفات نظاميه وكسر لأبجديات علمية. وهي ذاتها في أمس الحاجة إلى التنوير والتطوير وإعادة الصياغة والتشكيل. فتنقل الهزال والفشل الذي عاشت به في الميدان الذي يُتذمر منه إلى الأجهزة الإدارية والقيادية. بل وبمهامها الإدارية والقيادية التي أسندت لها تعمم الفشل في سائر قطاعات تلك المشاريع والصروح وميادينها التربوية فتصبح بمثابة فيروس ونتاجها المنتظر حمل كاذب. ولتتضح لنا الصورة أكثر قد يكون من المناسب تجسيد تلك الزاوية بمثال حي من خلال التمثيل على الجامعات ً ...
فالكثير من القطاعات الأكاديمية بل جلها. تعمد إلى اعتبار رئاسة الأقسام من المهام التي يتطلب القيام بها معرفة إدارية وقدرات لا باس بها على اتخاذ القرار، ناهيك عن مهارات الاتصال الفعال التي تساعد في عملية الاتصال مع الآخرين سواء كانت إدارات في داخل المنشاة ذاتها أو في خارجها وكذلك مع الأفراد، باعتبار أن رئيس القسم هو سفيره وممثله وحلقة وصله بالآخرين. والسؤال الذي يطرح نفسه: ·
أليس حصول رئيس القسم على درجة الأستاذية تأهيلاً كافياً لهذا المنصب ؟! من المؤكد بأن ذلك ليس بصحيح.
فالهمسة الحقيقة التي تستشف من منهجية هذه الصروح الأكاديمية لتعني الكثير والكثير، فهي توضح لنا بأن مثل هذه المناصب الإدارية والقيادية تمثل منهجية عمل مختلفة. لكون الكثير بل معظم رؤساء الأقسام أكاديميون بعيدين في تخصصاتهم عن الإدارة والقيادة, وفي الغالب يكونون غير مدربين لتولي مهام أو أعمال إدارية تتطلب منهم معرفة أو الرجوع إلى الأنظمة واللوائح وقرارات الصلاحيات. كما يتطلب الأمر منهم اكتساب المهارات المناسبة التي تجعلهم قادرين على إدارة الأقسام التي تزخر بذوي المؤهلات العالية والجامعية.
ولا يقف الأمر عند ذلك الحد. بل يتجاوزه إلى أن يمضي رئيس القسم فترة من عمله في رئاسة القسم زمناً طويلا وساعات غير قليلة، خلال وقت الدوام الرسمي أو خارجه ليتعرف على محيطه وحدوده، وكثيراً ما يتطلب الأمر الاستعانة بذوي الخبرات السابقة من رؤساء الأقسام. وللوصول إلى هذا الهدف قد يحتاج عاماً أو يتجاوزه إلى أعوام. ليدرك حقيقة ما يدور في أفلاك عمله ومحيطه فما بالك كم يحتاج الأمر ليكون التفاعل مثمرا.
نخلص إلى أن رئاسة قسم في صرح أكاديمي تعني ما تعني. فكيف سيكون عليه الحال: ·إذا تخيلنا إسناد مهام أعظم من ذلك إلى معلم من إحدى مدارس التعليم العام ولن أقول من ذوي التخصصات كالفنية أو الرياضة أو مشرف نشاط البعيدة كل البعد عن الإدارة والقيادة بل ذا تخصص قد يعد أنه من انسب التخصصات ؟
ما بالكم إذا أوكلت لصاحب هذا التخصص إدارة عامة أو أمانة أو وكالة مساعدة أو بلغ منصب وكيل وزارة؟ وما بالكم إذا أوكلت له مهمة قيادة صرح أو مشروع تربوي أو شي من مهام القيادة آو الإدارة في الصرح أو المشروع؟ ماذا سيكون عليه حال تعليمنا العام ؟ وماذا ستبلغ نهايته ؟
هل ستتحقق الأحلام التي بنيت على تلك الصروح والمشاريع لتطوير التعليم العام؟ أم هل ستذهب الآمال والطموحات في تلك الصروح والمشاريع (لا قدر الله ) أدراج الرياح ؟
أما دولنا الخليجية بأمس الحاجة إلى أجهزة عليا. تشخص الأنظمة وتقُومٍّ الأجهزة الحكومية وما في حكمها وتتابع إنجازاتها وتعثراتها وتحاسب العابثين بمقدرات الوطن.
أليس ما ينفق على صروحنا ومشاريعنا التربوية والتعليمية يكفي لإقامة عدة مشاريع مماثلة؟ لا مشروعا واحدا؟ في دول أخرى.
ألا يعد عجز هذه الصروح لمواكبة التطور نتاج للجفاف المعرفي للقائمين عليها. ·أليس بفشل تلك الصروح في برامجها ومشاريعها (لا قدر الله) إهدار فرص عظيمة قد لا تتكرر بجميع معطياتها لانتشال التعليم العام في خليجنا الحبيب للرقي به إلى مصاف تعليم الدول المتقدمة أو حتى الصفوف التي تليها.
بالتأكيد أن من المؤشرات التي تبين لنا نجاح برامجنا ومشاريعنا أو تعثرها يكمن في المقارنة بين:
كم مضى من عمر تلك المشاريع التطويرية وكم بقى؟ مقارنة بما انفق من ميزانياتها الهائلة؟ بما أنجز من خطتها ؟· ما هي الثمار التي تجسدت في الميدان؟ والنتائج المحسوسة التي يدركها الطالب؟ والمعلم؟ ومدير المدرسة؟ ناهيك عن ولي الأمر والمجتمع؟
ما هو المردود الوطني الذي جني؟ أو سوف يجنى ...؟
وفي الختام التمس من الله العون والتوفيق والسداد لأنجز ما بين يدي من وضع إستراتيجية علمية لمتطلبات التعليم العام بدول خليجنا لتحقيق متطلبات عصر المعرفة وفي هيئة رؤوس أقلام ليستنير بها المتخصص القادر لنصبوا إلى تجنيب تعليمنا وطالباتنا وطلابنا عصر الاجتهادات الشخصية والقص والصق دون إدراك المحتوى.
مكان نشر الموضوع
https://www.facebook.com/notes/%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A-%D8%B3%D8%A8%D9%82/%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A-%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B0%D8%A8/274956825888652?ref=nf#